Jumat, 09 Desember 2011

أسباب اختلاف الفقهاء

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمـة
الحمد لله مظهر دينه المبين، وحائطه من شبه المبطلين وتحريف الجاهلين، بعث محمدا إلى كافة خلقه بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
والصلاة والسلام على من أوتى جوامع الكلم، المنتصب لبيان منهج الله، و إقامة شرعته، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فقد اقتضت حكمة الله – سبحانه وتعالى - أن يخلق هذا الكون على اختلاف وتنوع فيه، وأن يخلق الإنسان المهيمن عليه على مشارب متباينة وطبائع مختلفة، فلا يكاد يتفق شخص مع غيره فى الطبائع والثقافات والأفكار والميول.
ومن ثم أنزل الله شرائعه على مقتضى طبيعة البشر، كلية مرنة تستجيب لتغيرات الأزمان والأمكنة، ثم كان منها محكمات ومتشابهات ، والقطعيات والظنيات، والصريح والمؤول لتعمل العقول وتجتهد فيما يقبل الاجتهاد فيعظم بذلك أجرها، وفى هذا توسيع للأمة فى أمور دينها ودنياها.
ولقد وجد منذ صدر الأول لهذه الأمة اختلافات فى الفروع وبعض مسائل الأحكام، وكان فى حياة صاحب التشريع – عليه الصلاة والسلام – وأقره ولم ينكره.
ولما كان للاختلاف الفقهى ومعرفة أسبابه من الأهمية فى التشريع الإسلامى، حيث كان بيان لوجهات النظر واتساع العلم، ومعرفة الحلول والاحتمالات الممكنة فى القضايا المستجدة. طلب منا الأستاذان الفاضلان:
الأستاذ الكتور : عبد المجيد محمود                      والأستاذ الدكتور: محمد نبيل غنايم
حفظهما الله ونفع بهما الأمة
أن نقوم بالبحث فيه وبيان أسباب الاختلاف العلماء، وامتثالا لذلك فقد قمت بالبحث فى هذا الموضوع على النحو التالى. والله أسأل منه التوفيق والقبول.



المنهج والخطة: وقد قسمت البحث إلى ثلاثة مطالب: المطلب الأول فى بيان المراد بالاختلاف، وبيان ضروريته، وأهميته.
والمطلب الثانى يتضمن بيان أسباب التى أدت إلى اختلاف الفقهاء، وهو على مقاصد المقصد الأول: أسباب الاختلاف فى ثبوت النصوص،
المقصد الثانى: أسباب الاختلاف فى فهم النصوص
المقصد الثالث: أسباب الاختلاف فى بعض المصادر
المسألة الأولى القياس وما يتعلق به
المسألة الثانية قول الصحابى
المسألة الثالثة الاستصلاح
المسألة الرابعة الاستصحاب
المقصد الرابع: أسباب الاختلاف فى التعارض والترجيح
المسألة الأولى مسلك الجمع بين النصوص
المسألة الثانية مسلك النسخ
المسألة الثالثة مسلك الترجيح
أما المطلب الثالث: فتوجت به لبيان الآداب والضوابط العلمية للاختلاف وهو على مقصدين
المقصد الأول: الآداب الخلقية والشرعية للاختلاف
المقصد الثانى: الضوابط المنهجية والعلمية للاختلاف
ثم تأتى الخاتمة والمصادر والمراجع ثم الفهرس. والله ولى التوفيق للقبول.




المطلب الأول
تعريف الاختلاف، ضرورته، نشأته وأنواعه.
المقصد الأول
تعريف الاختلاف ونشأته
المسألة الأولى تعريف الاختلاف فى اللغة والاصطلاح:
الاختلاف مصدر اختلف، ومعناه ضد الاتفاق، تقول: خالفته مخالفة، وتخالف القوم، واختلفوا إذا ذهب كل واحد إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر، وتخالف الأمران، واختلفا أى لم يتفقا، ولم يتساو[1].
والاختلاف فى الاصطلاح: منازعة تجرى بين المتعارضين لتحقيق حق، أو إبطال باطل عن دليل وبينة[2]
المسألة الثانية نشأة الاختلاف: قد كان منذ عهد التشريع الأول نوع من الاختلاف، ظهر بين صحابة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وهو بين أظهرهم، فأقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم، ولا أدل على ذلك من قضية جماعة الذين بعثهم إلى بني قريظة حيث قال لهم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من كان سامعا مطيعا فلا يصلين أحدكم إلا في بني قريظة )، فخرج المسلمون سراعا ، وأدركتهم صلاة العصر في الطريق، فقال بعضهم: لقد نهينا عن الصلاة حتى نصل إلى بني قريظة فصلوا هناك ليلا، وقال الآخرون: لم يرد الرسول منا تأخير الصلاة حتى نأتي بني قريظة، وإنما أراد سرعة النهوض، فصلوا في الطريق، ولما علم الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – بذلك لم يوجه إلى أحد منهم لوم [3]). فقد اجتهد كل من الفريقين في فهم النص فعمل فريق بلفظه ومنطوقه، وعمل الفريق الآخر بمغزاه، وأقرالرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – كلا منهما على اجتهاده. وبعد انتقاله – عليه الصلاة والسلام -  توسع هذا الاختلاف بسبب انتشار الصحابة فى الأقاليم، وكل قد سمع ما سمع منه، والتقى بتقاليد وعادات غير التى عرفها، ثم تناقله تلاميذهم من التابعين ونما فيهم، لكثرة الوقائع والمستجدات.

المقصد الثانى
الفرق بين الاختلاف المذموم والاختلاف المحمود.
الناظر فى هذه الشريعة الغراء يكاد يعدم نصا، أودليلا يدعو إلى الاختلاف، بل سيصادف فيها بنصوص كثيرة تندد من الفرقة والاختلاف، ثم هو من جانب آخر يقابله مجال رحب من مجالات هذه الشريعة، - ألا وهو مجال التشريعى العملى - قائم على الاختلاف، فما الفرق بين هذين النوعين من الاختلاف؟
جاء فى الرسالة للإمام الشافعى قال: الاختلاف من وجهين: أحدهما محرم، ولا أقول ذلك فى الآخر. قال: فما الاختلاف المحرم؟ قلت: كل ما أقام الله به الحجة فى كتابه أو على لسان نبيه منصوصا بينا، لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه.
وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياسا،ً فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أوالقياس وإن خالفه فيه غيره، لم أقل أنه يُضَيَّق عليه ضِيقَ الاختلاف في المنصوص. واستدل الإمام على ذلك قال: قال الله فى ذم التفرق: ﴿  وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة[4] وقال جل ثناؤه: ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات [5]﴾، فذم الاختلاف فيما جاءتهم البينات، فأما ما كلفوا فيه الاجتهاد فقد مثلته لك بالقبلة والشهادة وغيرها[6].                
فواضح من كلام الإمام أن الاختلاف المذموم والمحرم هو ذاك الخلاف الذى يكون فيما هو قطعى وواضح الدلالة، لأن الخلاف فى هذا بدوره أن يشكل خطرا على وحدة الأمة، كما أنه لايكون إلا عن تعصب وهوى وعناد، ولا سيما بعد وضوح الحق.
أما الاختلاف الذى يبحث فى وجوه الأدلة، ويوازن بينها وبين دلالتها، ويسعى جادا ومجتهدا للوصول إلى نتيجة تزيد الآخرين قربا من التفهم من القضية محل النظر، وتزيدهم التبصر بأبعاد الموقف المرتبط بها، دون أن تملى رأيها الحر على الآخرين، فهذا من المفاخر والذخائر، لأنه ثروة تشريعية كلما اتسعت كانت أروع وأنفع.
ومعنى هذا تعدد النظريات والمبادئ والطرائق الحقوقية فى استمداد الأحكام وتقريرها.[7]

المقصد الثالث
ضرورة الاختلاف وأهميته
إذا كان الشرع قد حذر نوعا من الاختلاف، فإنه قد فتح بابا آخر للاختلاف بطلبه للاجتهاد فى قضيا تحدث للناس من شؤون دنياهم، وترغيبه فى ذلك.  
-  والاختلاف سنة من سنن الله الكونية، فقد اقتضت حكمة الله تعالى فى خلقه التبديل والتغيير، وقديما قالوا: بقاء الحال من المحال.
-  طبيعة البشر ( بتمايز العقول والتفكير ): وخلق الله البشر مختلفين فى الطبائع والقدرات والمواهب وغير ذلك، فلكل إنسان شخصيته المستقلة، وتفكيره المتميز عن غيره، وطابعه المتفرد به، فمن العقول ما ينفذ إلى صميم الأشياء، ويحيط بها من جميع جوانبها فيصل إلى حقيقتها، ومنها ما يظل طافيا ضيقا لا يدرك إلا الظواهر. وهذا بلا شك عامل قوى ومؤثر فى اختلاف الآراء والاتجاهات، ما دامت الطبائع والعقول تختلف، والاتجاهات النفسية، والأفهام وطرق المعاش والثقافة، فلا بد أن يترتب على ذلك اختلاف فى الحكم فى الأشياء والمواقف والأعمال وغيرها[8].
ولهذا النوع من الاختلاف أهميته، وذلك حتى يتم التطور فى الكون، فلو أن البشر جبلوا على طريقة واحدة فى التفكير لما أبدع الإنسان شيئا، ولما اخترع كثيرا من الآلات، ولكان الناس على حالة واحدة من الجمود.
-  طبيعة النصوص الشريعة : اقتضت حكمة العزيز الحكيم، أن ينزل نصوص هذه الشريعة الخاتمة، منها المحكمات والمتشابهات، ومنها القطعيات والظنيات، فيحتكم النوع الثانى إلى النوع الأول. كما جاءت هذه النصوص بصيغة مرنة حتى تتسع لتعدد الأحوال والأوضاع والأزمنة والأمكنة. وقيل فى الأثر: ( إن القرآن ذو وجوه، فاحملوه على أحسن وجهه[9]).
- الأمر بالاجتهاد: لقد رغب الشارع الحكيم فى الاجتهاد، والاختلاف نتيجة حتمية للاجتهاد، وذلك لتفاوت العقول، ومدارك النظر، وعمق الملكة الفقهية، فليس كل ذلك واحد فى الجميع[10].
    كما أن صياغة النصوص الشريعة لتتسع لأكثر من فهم وتفسير، دليل من                                 الشارع على إرادة الاختلاف، رحمة للأمة، وتكثير الأجور لأهل الاجتهاد  والاستنباط. كما يدل دلالة قوية على سعة هذه الشريعة، وعدم إحاطة مذهب معين بها، وهذا يجعل الأمة فى غنى من شريعتها لا تضيق بها عن حاجتها، وتوفر لها أسسا صالحة لحل المشكلات العارضة باختلاف الظروف والأحوال[11]
   والاختلاف عامل قوى لاجتساس داء التعصب الذميم، لأقوال بعض المجتهدين دون بعض، حيث لم يكن بينهم تنازع فى الفقه ولا تعصب، بل طلب بالحقيقة وبحث عن الصواب من أى ناحية أخذ، ومن أى جهة استبان. وقد أورد الإمام الشاطبى-رحمه الله- قول عمر بن عبدالعزيز-رضى الله عنه-: ( ما أحب أن أصحاب النبى – صلى الله عليه وآله وسلم – لا يختلفون، لأنه لوكان قولا  واحدا لكان الناس فى ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم لكان فى سعة)، ويعلق الشاطبى قائلا: ( إن معنى هذا أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه، لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون فى ضيق، فوسع الله على الأمة  بوجود الخلاف الفروعى فيهم، فكان فتح باب للدخول فى هذه الرحمة).          
    ثم إن اختلاف الفقهى دليل على حوية الفقه، كما يدل على تعدد النظريات والمبادئ والطرائق الحقوقية فى استمداد الأحكام وتقريرها، وهذا مما يجعل الأمة فى غنى من تشريعها لا يضيق بها عن حاجتها، ويوفر لها أسسا صالحة لحل المشكلات العارضة باختلاف الظروف.[12]
فالاختلاف فى الفروع إذا صدقت النوايا، يتيح التعرف على جميع الاحتمالات التى يمكن أن يكون الدليل رمى إليهابوجه من وجوه الأدلة.
كما أن فيه رياضة للأذهان، وتلاقح للآراء، وفتح مجال للتفكير للوصول إلى سائر الافتراضات التى تستطيع العقول وصول إليها[13].

Tidak ada komentar:

Posting Komentar